0

م. عامر البشير

هل سمعتم بمنهجية  “التقريش”؟… برأيكم ما هي العلاقة بين التقريش والتشريع؟

 قد يبدو سؤالي استفزازيا لكن دعوني اشرح لكم الأمر ببساطة شديدة.

التقريش في المنظور الأردني هو التحرك ضمن استراتيجية مرتبطة بذهنية سؤال واحد مطروح: كم سيدخل للخزينة وموازنة الدولة العامة  من أموال؟..

 أسوأ ما في منهجيتنا الأردنية التي رصدناها وعشناها مؤخرا ان “التقريش” بمعناه سالف الذكر اصبح مغذيا لنهج الجباية، وبالتالي يمكنني اليوم وبضمير مرتاح القول بأن التقريش يحل ببطء شديد عندما يتعلق الامر بالتشريع في بلادنا مكان الاسباب الموجبة التي تأتي بالعادة مشفوعة بنصوص التعديلات في مشاريع القوانين، بغض النظر عن كونها لا تتحقق في كثير من الاحيان!.

يعاجلك اليوم اي مسؤول في الحكومة بالاستفسار عن عدد القروش التي ستدخل  للموازنة بسبب هذا التشريع او ذاك او يعاجلك باستبدال  تشريع لأغراض منع الاختلال في فرض العقوبات والوقاية من تضارب المخالفات بنصوص تتمأسس حول فكرة فرض العقوبات.

طبعا كل هذا لكي تستكمَل هذه المتتالية الحسابية في التفكير التقريشي.

يتوسع القول ونحن نتحدث هنا عن النواب والوزراء كما حصل عدة مرات في منح صلاحيات الضابطة العدلية للحكوميين، حتى  اننا نشاهد اليوم في وطننا الغالي جيشا من الموظفين الذين يجولون في الانحاء بصفتهم الاعتبارية كفارضي عقوبات ومحرري مخالفات بدلا من حصر هذا السلوك الرقابي في جهاز التنفيذ المكلف بموجب القانون وهو جهاز الامن العام .

هنا واحدة من اسوأ عناصر التشويه التي واجهناها مؤخرا عندما يتعلق الامر بالتشريع، فقد جرت العادة ان تقدم الحكومة مشاريع القوانين حسب الحاجات والاولويات الوطنية وحسب المعمول به دستوريا،  لكن ما يجري اليوم هو التوسع في سن تشريعات لمعالجة امور اجرائية فقط تعيدنا دوما الى مربع او ملعب التقريش .

سبب هذه الحالة يا اخوتي الكرام واضح ومنذ سنوات حيث تصر حكومات متعاقبة ومجالس نيابية بنفس الوقت على تجاهل الحاجة الملحة وطنيا لمطبخ يصنع القوانين ويحقق الاصلاحات.

 طبعا ينتج ذلك عن غياب البنية التحتية السياسية في عمل المجالس النيابية وكذلك غياب البرامج الحزبية .

 تـأملوا معنا النتيجة جراء هذا الوضع : سلق تشريعات .. تفريغ قوانين من الدسم .. تكرار التعديلات .. اخطاء وهفوات في التشريع .. واختلالات رصدناها جميعا.. سن قوانين بالقطعة بدلا من الشمولية وبالتنقيط بدل التقسيط .

 تسألون عن الدليل .. اليكم واحدا : قانون ضريبة الدخل اعيد الحديث عنه وفورا بعد توشيحه بالإرادة الملكية السامية في عهدة مجلس النواب السابع عشر .

دوري أنا في السؤال: متى نحقق الاستقرار التشريعي ؟.

دعوني حتى لا اتهم بترويج السلبية فقط اعيد تنشيط الذاكرة بقصة نجاح تشريعية صغيرة ضمن تجربة عاصرتها، قد تصلح أنموذجا ويبقى هذا رأيي الشخصي .

قانون نقل الركاب للعام 2017 حقق قدرا لا يستهان به من الاصلاح عندما خضع لمعايير غير تقليدية حيث كانت اللجنة النيابية المختصة اقرب للجنة خبراء وقررت مسبقا التعامل مع القانون اياه انطلاقا من فهم عميق للتحديات ومن زاوية  شمولية واصلاحية وصولا الى تعديلات هيكلية على مشروع القانون الذي اقترحته الحكومة، بحيث اضافت اللجنة ثلاث اضافات محورية واساسية بعنوان: صندوق لدعم الركاب، ولا مركزية في نطاق العمليات، وثالثا مقترحات لمعالجة التحدي الاكبر الذي يواجهه قطاع النقل وهو الملكية الفردية (حيث تنحصر حقوق ملكية النقل العام بنسبة تفوق 80% بيد مشغلين أفراد)  .

 رغم ذلك، يأتي اليوم من يهمس في اذن الحكومة بان عليها وقف اقتطاع عشرين فلسا عن كل لتر بنزين وسولار منتج او مستورد لدعم صندوق نقل ركاب .. بمعنى اخر حققنا انجازا اصلاحيا في البعد الهيكلي التشريعي، وهناك من يريد التراجع عنه اليوم في اطار فكرة سياسية ملتبسة وحمالة اوجه تخاطب الشارع وغرائز مجموعة محدودة من المستغلين وليس الواقع والتطوير بهدف التحسين.

هنا مثال حيوي على التيار العريض المتمترس للأسف في منطقة السلبية، والذي يحاول اعادتنا دوما الى المربع الاول ويصر على ايقاف ساعه التطوير والاصلاح. اما ذرائعه وحججه فهي كثيرة ومتراكمة على ارصفة اسواق المزايدة السياسية بسبب موضة اختطاف الاصلاح لانتحال الوطنية وادعاء الولاء.. وتلك قصة اخرى تماما .

*عضو سابق في البرلمان الاردني

إرسال تعليق

 
Top